متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه
المحتويات
العظيمة التي ينتظرها يزيد..
تأملته ضحكاته فابتسمت بدورها قائلة
يعني مش متضايق.. أنا عملت كده عشان خاطر عليا..
رمقها بنصف عين
خاطر عليا!
أشاحت بوجهها بعيدا
أيوه.. اطلع بقى بالعربية.. عشان اتأخرت عليها..
تأملها للحظات ثم أدار محرك السيارة ليقلها نحو المزرعة.. لتقضي ليلتها مع علياء الغارقة في أحزانها...
وصل يزيد وريناد إلى الجناح الخاص بالعروسين والذي قام بحجزه ليقضيا فيه ليلة زفافهما قبل أن ينطلقا في الصباح إلى مدريد لقضاء شهر العسل كما اتفقا من قبل..
خطت عدة خطوات حتى توقفت في منتصف الصالة الخارجية للجناح.. عدة مقاعد تلتف حول أريكة وثيرة.. تتوسط الغرفة عربة طعام رصت فوقها عدة أطباق مغطاة يبدو أنها تحتوي على العشاء.. زجاجة
من الشامبانيا توسدت دلو ملئ بقطع الثلج.. الأضواء هادئة وحسية ووريقات من الجوري الأحمر والأبيض تناثرت لتكون عدة قلوب صغيرة متناثرة على أرض الغرفة وتبدو أنها تمتد حتى غرفة النوم.. أجواء مثالية لليلة زفاف حالمة.. كما تمنت يوما.. ولكن.. لكن ليس الليلة...
قرر تجاهل هالة البرود المحيطة بها واقترب منها بهدوء طابعا قبلة رقيقة على جبهتها تقبلتها بسكون
مبروك.. يا ريناد.. يا أحلى وأرق عروسة..
حاول أن يخطو خطوة نحوها ولكنها أوقفته بإشارة من يدها واستمرت حركة رأسها الرافضة.. فحاول طمأنتها
انطلق سؤالها فجأة بدون إرادة منها
جوازكوا صوري فعلا
قطب يزيد حاجبيه وهو يسألها بهدوء
تفتكري ده وقت السؤال
تمالكت ريناد نفسها قليلا ورفعت ذقنها بكبرياء
إيه.. عايز تعيش دور العريس.. يعني ما عشتوش قبل كده!
ريناد.. أنا طلبت قبل كده أنك تستفسري على أي حاجة وأنت رفضت.. والليلة جاية تسألي!
اقترب منها متجاهلا إشارتها له بالابتعاد وأمسك كتفيها بيديه
ريناد.. الليلة فرحنا.. ليلة بينتظرها كل عريس وعروسة.. أوعدك أرد على كل أسئلتك بعدين..
نفضت يديه عنها.. وعادت تبتعد عنه من جديد وهي تتهمه بوضوح
وأنت زي كل عريس كنت منتظر ليلة فرحك.. بس المهم فرحك على مين فينا..
ريناد..
عادت تهتف
صوري ولا حقيقي..
زفر بحنق وهو يفك ربطة عنقه ويخلع سترته ليلقي بها بعشوائية.. واتجه نحو نافذة الغرفة ليفتحها يعب من الهواء النقي.. برغم وجود التكييف البارد إلا أنه شعر بإختناق شديد..
استند بكفيه على زجاج النافذة المفتوحة وهو يسأل بدون أن يلتفت نحوها
كل ده تأثير كلمة نيرة
عادت تكرر وبدت كما أنها لم تسمعه
صوري ولا حقيقي..
أجابها بتردد
ريناد..
والټفت ليواجهها ليفاجئ بزجاجة الشامبانيا تطير بالقرب من أذنه وترتطم بالإطار المعدني للنافذة لتسقط مهشمة إلى قطع صغيرة ويسيل السائل الذهبي على قدميه..
رفع عينيه اليها بذهول.. فتلك الواقفة أمامه بخصلاتها الذهبية القصيرة.. والتي تناثرت حول وجهها ولمعت عينيها الذهبية بلمعة شيطانية لم تكن تشبه ريناد التي يعرفها بشيء.. كانت صورة لامرأة مٹيرة للغاية.. ولكنها مرعبة للغاية أيضا..
ريناد..
قالها مترددا.. ولكنها ابتسمت ساخرة بمرارة
خلاص يا يزيد.. أنت جاوبت.. ويا ترى بقى الجواز مؤقت برضوه زي ما فهمتني
أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول
أنا ما قلتش أبدا أنه مؤقت.
بس ما قولتش أنه مستمر.
زفر بحنق
أنت سمعت اللي كنت عايزة تسمعيه.. وصدقت اللي كنت عايزة تصدقيه..
وصفق يديه ببعضهما وهو يكمل
واخترت اسوأ وقت عشان تواجهي الحقيقة..
هزت رأسها پغضب
لأنها ليلة الفرح اللي كنت منتظرها صح..
رد بدون أن يعي ما يقوله
لأن وقت التراجع فات!
برقت عيناها پألم عاصف ووجدت شفتيها تصرخان
طلقني..
مسح وجهه بكفه وهو يشيح برأسه بعيدا
ادخلي نامي يا ريناد.. عندنا طيارة الصبح..
التفتت لتمسك إحدى المزهريات المنتشرة في الجناح لتلقي بها نحو واحدة من المرآة المعلقة على الحائط خلفه وتتناثر قطع الزجاج في كل مكان مرافقة لصړختها
طلقني بقولك.. سامعني ولا لأ!..
لم يرد عليها وحاول أن يتحرك نحوها.. ولكنها أسرعت لتلتقط مزهرية أخرى لتلقي بها نحوه تلك المرة فاضطر للانحاء حتى يتفادها.. وقبل أن يعتدل وجد وسادة طائرة ترتطم بوجهه پعنف.. وريناد ما زالت تصرخ
طلقني يا يزيد..
هتف بها پغضب
اعقلي يا ريناد.. بلاش جنان.. أنت عارفة إيه معنى واحدة تطلق ليلة فرحها..
اعتصرت عينيها بقوة حتى لا تتساقط دموعها أمامه وقد تغلغلت جملته بين خلايا عقلها.. فكتفت ذراعيها بقوة وهي تقول پعنف
طلقها هي..
تنهد يزيد بقوة وهو يخبرها بهدوء قاطع
لأ..
برقت عيناها پغضب شديد وهي تلتفت حولها پجنون.. لتتناول كل ما تطاله يديها وتلقي به نحوه.. أو في المكان التي كانت تظن أنه واقف به فهو تحرك بعيدا عن مرمى أهدافها الطائرة ولكن الدموع التي كانت قد بدأت تتساقط من عينيها متمردة على إرادتها أعمت عينيها وأسالت زينتها على وجهها فلم تعد ترى أي شيء حولها سوى الڠضب الحارق.. استمرت بتحطيم كل ما طالته يداها حتى تجمدت فجأة عندما لمحت نفسها في المرآة..
اقتربت قليلا لتتأمل وجهها في المرآة المحطمة.. فشهقت پعنف وهي ترى مسخ لامرأة كانت فاتنة منذ دقائق قليلة.. فعيونها حمراء.. جفونها محتقنة بشدة.. والكحل الأسود حفر خطوط سوداء على وجنتيها.. طلاء شفتيها اختفى ولم تعد تذكر السبب.. وخصلاتها مشعثة وثائرة كعش طائر صغير..
سحبت نفسا عميقا وتوجهت برأس مرفوعة نحو غرفة النوم وأغلقت الباب خلفها بشدة بدون أن تلقي نحوه نظرة أخرى... غابت قليلا.. وعندما خرجت من جديد سمعت شهقة يزيد المكتومة وتنفسه السريع.. فابتسمت بسخرية وهي تدرك أنها حققت ما تريد.. فقد اختارت أقصر ثوب للنوم وأكثرهم إثارة وارتدته وحده بدون الروب الخاص به.. مشطت شعرها بسرعة.. لمسة أخيرة من طلاء شفاه أحمر قاني كالڠضب الذي يتقافز أمام عينيها.. وانهت مظهرها برشة عطر تعلم أنه يفضله.. كادت أن تصيبه بأزمة قلبية.. وهي سعيدة بذلك فهو يستحق فقد مرغ كرامتها وكبريائها في الوحل..
وهي تجذب عربة الطعام وتكشف الأطباق واحدا تلو الآخر وتتناول طعامها بهدوء وتلذذ وسط حطام الجناح وتحت نظرات يزيد المذهولة.. أنهت طعامها سريعا.. وتوجهت نحو غرفة النوم لتتوقف في منتصف المسافة وهو يسألها
على فين!
هزت كتفيها بلامبالاة
هدخل أنام عندنا بكره الصبح طيارة..
اختفت من أمام عينيه وتجمد هو حائرا.. هل يلحق بها أم يقضي ليلة زفافه على الأريكة.. صوت المفتاح الذي دار ليوصد بابها منحه الإجابة سريعا فيما وصلت لأذنيه صوت طرقات على الباب.. فاتجه ليفتحه ووجد أحد عمال الفندق ينظر له بحرج وهو يخفض عينيه أرضا
أنا آسف يا فندم.. أنا عارف أن الليلة فرح سعادتك.. ألف مبروك.. وربنا يسعدك ويقويك.. بس
النزلاء اللي في باقي الدور بيشتكوا من الدوشة..
ألقى الرجل كلماته بحرج شديد ليفاجئ بأغرب رد فعل من يزيد الذي اڼفجر ضاحكا بهيستريا...
الفصل الخامس عشر
تمدد يزيد على فراشه بأحد أشهر فنادق مدريد.. فندق ذو مبني أثري يعود للقرن الثامن عشر.. قام بالحجز به خصيصا بعد اكتشافه هوس ريناد الحديث بالأنتيكات والتحف ولكن الغريب أنه لم يلاق استحسانها على الإطلاق.. ولولا وجود التسهيلات والكماليات الحديثة.. من ساونا.. وقاعات للمساج والتجميل وبعض محلات الملابس ذات الماركات المعروفة لأصرت على ترك الفندق..
حبيبي.. أنا نازلة عندي جلسة مساج..
تاني يا ريناد.. امبارح ساونا والنهارده مساج..
هزت كتفيها بلامبالاة
وإيه يعني.. هو مش شهر العسل ده عشان الاستجمام!
زفر بضيق
أيوه نستجم سوا.. نخرج سوا.. مش كل واحد لوحده..
رمقته بنظرة قاټلة.. ثم أخبرته بهدوء
بعد المساج أنا هروح أعمل شوبينج.. تحب نتقابل على العشا.. أقولك ابقى كلمني ونتفق.. باي..
وخرجت من الغرفة تتهادى بحذائها العالي الكعبين بينما ترافقها نظراته الحانقة.. فبعد ليلة زفافه المدمرة ظهرت في صباح اليوم التالي بأبهى صورة لها.. وتعاملت معه وكأن الليلة السابقة لم تمر بهما أبدا.. لم يكن بحاجة لكثير من الذكاء ليدرك أن تحولها ذاك لمحادثة تليفونية طويلة أجرتها مع والدته ووالدتها.. لم يعرف بتفاصيل المكالمة بالطبع.. ولكن وصله نتيجتها.. وهي استعدادها الكامل للاستمرار في زواجهما بكل ما تعني الكلمة من معنى..
لم يعرف لم أصابه ذلك بالقلق على علياء وخاصة من والدته التي بالتأكيد وصلتها حقيقة الزواج.. الآن هو في مدريد غير قادر على حمايتها كما يجب.. وحتى والده لن يستطيع محادثته فهو بالكاد يحادثه منذ ذلك الصباح في غرفة المكتب بالمزرعة.. ولن يستطيع مطالبته بالحفاظ على علياء وحمايتها من والدته.. فذلك كفيل بخلق مشاكل لا حصر لها بين والديه..
لذا فقد قام بالشيء الوحيد الممكن وهو مطالبة نيرة_عن طريق مازن بالطبع_ أن تقنع علياء بالإقامة معها.. لحين عودته.. وهو ما رحبت به نيرة بشدة فهي بحاجة إلى علياء لمساعدتها في تجهيزات زفافها.. وها هو الآن يحاول الاتصال بها.. للمرة المائة أو أكثر فقد تعب من كثرة العد.. ولكن كما توقع هاتفها مغلق.. متى وكيف تعلمت الصغيرة تلك القسۏة.. إنه فقط يريد الإطمئنان عليها.. لم تحرمه حتى من صوتها.. مشتاق لها بشدة.. يحتاج فقط لسماع صوتها وهي تهمس باسمه.. لا يدري تفسيرا لمشاعره.. حاول كثيرا أن يجد مسمى لما يشعر به نحوها.. أو حتى نحو ريناد.. الذي ازداد ارتباطه بها بعد اكتمال زواجهما.. ولكنه لم يجد تفسيرا لمشاعره المرتبكة..
زفر بحنق وقد تاق لتواصل حقيقي فحاول مرة أخرى الاتصال بعلياء.. ليقابله نفس الرد.. الهاتف مغلق.. لذا قرر الاتصال بمازن.. الذي أجاب على هاتفه بعد فترة.. وهو يضجع على مقعده براحة ويمد قدميه أمامه على مكتبه
مبرووك يا عريس.. حلوة مدريد صح
رد يزيد بحنق
أنت بتستهبل يا مازن!.. مش بترد على تليفونك ليه
ضحك مازن باستمتاع
آسف.. كنت بسلم على نيرة وعليا قبل ما يمشوا!..
قفز
متابعة القراءة