متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه

موقع أيام نيوز


المتلصصة.. ويفصله حاجز زجاجي عن حديقة الفيلا الرائعة...
جلسا معا حول المائدة وساد الصمت للحظات.. ثم أجلى حسن صوته وبدأ في الكلام
نيرة.. اممم.. بصي.. أنا مش عارف أبدأ الكلام منين.. بس واضح أنك عرفت أنه والدك ووالدي حددوا ميعاد الخطوبة..
اندفعت نيرة في الكلام مرة أخرى
أيوه.. بابي بلغني.. و..
قاطع كلاماتها وهو يحاول إفهامها ما يريد قوله

اسمعيني بس يا نيرة.. أنا لازم أتكلم معاك في موضوع مهم..
تجمدت ملامح نيرة تماما وقد أدركت أن محاولتها لإلهائه عن سبب حضوره والذي تدركه هي جيدا قد فشلت.. فسألته بحذر
إيه!.. خير.. في ترتيبات معينة في دماغك.. أصحابك أعزمهم أنت براحتك.. و..
عاد لمقاطعتها بنفاذ صبر
نيرة.. من فضلك.. اسمعيني..
رمقته بحذر
إيه يا حسن.. أنت خوفتني..
تردد قليلا يحاول إيجاد طريقة مهذبة ليخبرها أنه لا يريد الارتباط بها ولكن هربت منه الكلمات ليجدها تخرج أفكاره في صورة كلمات أطلقتها في وجه بمنتهى السهولة
أنا عارفة.. أنت جاي ليه دلوقت!
فوجيء بكلماتها وردد بذهول
عارفة!!..
نهضت فجأة لتقف على قدميها وهي تخبره ببساطة
أيوه.. أنا بس ما كنتش عايزة أتكلم في الموضوع.. بس مادام ده هيريحك.. خلاص وماله.. نتكلم.. أنا عارفة أنك جاي تصارحني بعلاقتك بمنى!
لم تمهله ليجيب واندفعت كلماتها
ما تقلقش يا حبيبي.. أنا مش زعلانة منك.. أنا فاهمة طبعا إن كل شاب بيكون في حياته نزوات وعلاقات عابرة قبل ما يتجوز ويستقر..
صړخ بها وقد فاض به الكيل من وضعها الكلمات في فمه
بس منى لا هي نزوة ولا علاقة عابرة.. منى تبقى بالنسبة لي حاجة كبيرة وغالية قوي.. وده اللي بحاول أقوله لك.. أنا مش عايز أظلمك يا نيرة..
سألته بتحدي
تظلمني!!.. يعني إيه..
عاد ليتكلم بنبرة أهدأ
الوضع اللي إحنا فيه ظلم للكل.. أنا عاوزك تساعديني إننا نقنع والدي ووالدك باستحالة الارتباط بينا..
رفعت نيرة رأسها بشموخ
استحالة ايه!.. إيه الكلام الفارغ ده!.. الخطوبة الأسبوع الجاي وأنت جاي تقولي استحالة ارتباط!.. كل ده عشان حتة السنكوحة اللي أنت ماشي معاها..
صړخ بها
نيرة.. أنا ما اسمحلكيش..
قاطعته
ما تسمحليش!.. ما تسمحليش بإيه!.. أني أصارحك بالحقيقة.. أنه كل اللي في دماغك ناحية منى ده وهم ولازم تنساه..
اقتربت منه بجرأة وهي تمسد وجنته بظاهر يدها وقد تغيرت نبرتها
أنا هنسيك.. هنسيك كل حاجة.. حبي ليك هيعوضك وهنعدي الأزمة دي..
وأضافت بنبرة ذات مغزى
ولا أنت عارف أونكل عامر زعله وحش قوي..
صډمته الجملة.. وشلت تفكيره للحظات.. حاول أن يتبين من ملامحها إذا كانت تقصد ما فهمه.. أنها مشتركة مع والده في مؤامرة لإجباره على ترك منى والارتباط بها هي.. ولكنه لم يستطع فك شفرة ملامحها التي كانت ترسم ملامح عشق جارف موجه له وحده ولكن نظرات عينيها كانت تنطق بتحدي سافر وتملك واضح وكأنها تحاول إخباره انه ملكها وهي لن تتنازل عنه...
أعاده للواقع.. الصوت المنبعث من هاتفه ينبئ عن وصول رسالة.. فتناول هاتفه بلهفة ليجد رسالة من منى..
تصبح على خير.. لا اله الا الله..
زفر براحة.. أنها لم تنس عادتهما اليومية.. لم تتخلى عنه بعد..
ضغط بضعة أزرار ليرسل لها الرد المعتاد..
احلمي بيا يا ملاكي زي ما بحلم بيكي ليل ونهار.. وأردف برسالة أخرى
محمد رسول الله...
وانطلقت من صدره آهه ألم..
آه يا منى لو تطاوعيني.. أنا هصبر بس لحد ما تخلصي كليتك.. ووقتها ما فيش حاجة هتمنعني عنك.. ولا حتى تهديدات عامر بيه.. حتى لو أخدتك وهربنا لأبعد مكان في الأرض
تهادت نيرة في أروقة أحد أشهر نوادي القاهرة ترافقها صديقتها الوحيدة علياء.. وبدا أن الاثنتين تجتذبان أنظار الموجودين بشدة.. فنيرة بخطواتها الرشيقة الواثقة التي تستعرض روعة وكمال قدها الممشوق والذي أظهره الرداء المخصص لرياضة التنس.. بتنورته البيضاء القصيرة جدا لتظهر رشاقة ساقيها الطويلتين وجزئه العلوي الذي احتضن جسدها بشدة ليظهر تفاصيله كاملة للعيون التي أخذت تلتهم ذلك الجمال الذي يعلن عن نفسه بوضوح وتركت خصلاتها الحمراء للتطاير حول وجهها لتمنحها جمالا ۏحشيا متفردا.. على العكس من علياء التي تمتلك جمال ناعم وهادئ.. جمال حزين تشبه أميرة الثلج بشعرها الأسود الطويل وبشرتها البيضاء الناعمة وعينين حزينتين بلون السماء..
لم تمتلك علياء ثقة نيرة بنفسها ولكنها كانت تحاول مجاراتها في جرأة ملابسها فارتدت بنطلون جينز أسود التصق بساقيها بشدة _حتى يبدو وكأنه تم إلصاقه عليهما_ وقميص ضيق أحمر اللون يغطي خصرها بالكاد..
سألت علياء بتردد
نيرة.. أنت مش مضايقة ولا مكسوفة من النظرات اللي بتاكلك أكل دي..
زفرت نيرة بحنق
وبعدين معاك بقى يا عليا.. أنا ما صدقت أنك اقتنعت تغيري ستايل لبسك.. وسيبتي اللبس العجيب اللي كنت مصرة عليه قبل كده.. إيه لازمة الكلام ده دلوقت.. وبعدين مش أنت عايزة حبيب القلب ياخد باله منك.. يبقى لازم تلبسي كده.. ما هو مش معقول هيبص لخيمة ما فيهاش أي علامات أنوثة!!
خلاص.. خلاص يا نوني.. أنا آسفة.. بس كل ما أفكر أن أعمامي لو شافوني باللبس ده هيعملوا فيه إيه.. ركبي ترعش..
قاطعتها نيرة
أعمامك مين يا عليا!!.. دول ما صدقوا يرموا همك على أونكل عصام جوز مامتك الله يرحمها.. صحيح.. أنت عاملة إيه مع تانت سهام.. لسه برضوه مش طايقاك..
أجابتها علياء پألم
ما أنت عارفة يا نوني.. أنها مش ممكن تحبني.. دي حتى كل ما تشوفني تقولي إني بفكرها بماما الله يرحمها.. وترص لي بقى القصيدة اللي أنت عارفاها.. خطافة الرجالة.. خړابة البيوت.. وكلام من ده.. عشان كده أنا بفضل أقضي معظم الوقت في المزرعة.. عند جدو.. أقصد يعني.. أبو عمو عصام.. ولولا كده.. كانت طردتني من زمان.. وخاصة أنها واخدة بالها إني.. إني..
قاطعتها نيرة
إنك بتحبي المحروس ابنها.. البشمهندس يزيد بيه الغمراوي..
أنت بتتريقي عليا يا نيرة
تأبطت نيرة ذراعها وهي تخبرها بمداهنة
لا يا حبي.. مش بتريق ولا حاجة.. هي صحيح قصة حبك دي ملعبكة.. يعني موقفك صعب شويتين.. هي مش ممكن هتنسى أنك تبقي بنت الست اللي اتجوزت جوزها.. بعد عشرة 20سنة.. موقف صعب مش سهل..
تنهدت علياء بيأس
أنت ناسية أهم حاجة.. أنه مش معبرني نهائي.. ولا كأني موجودة.. وأما بيجي يكلمني بيكون كل كلامه مجموعة من المحاضرات على اللي يصح واللي ما يصحش.. ويكملها بشوية تعليمات ونصايح.. وغير ده كله.. خطيبته الآنسة المبجلة.. ريناد.. بنت خالته.. ده بېموت عليها يا نوني.. وأنا..
كادت أن تختنق بغصتها.. فسكتت قليلا ثم أكملت
وأنا.. انا بمۏت كل ما
اشوفه معاها.. وهي حاطة ايدها في ايده كأنها بتقولي ده بتاعي.. وعمره ما هيبصلك أبدا..
قربت نيرة رأسها من علياء وهي تسألها باهتمام
أنت بتعملي زي ما بقولك ولا لأ..
ترددت علياء
ما هو أصل..
صاحت بها نيرة پغضب
اصل إيه وفصل إيه!!.. اسمعي كلامي أحسن لك لو عايزة سي يزيد بتاعك ده يبص لك.. وإلا هتلاقي نفسك بتحضري فرحه زي ما حضرت خطوبته ودمعتك على خدك..
يا نيرة.. صعب.. صعب علي قوي أني أقرب منه أو إني.. إني..
رفعت نيرة احد حاجبيها وهي تسألها
أنك تغويه.. لا يا عليا مش صعب.. خليكي بس لازقة فيه في كل حتة.. لاحقيه.. خليكي قدام عينيه على طول.. وفي اللحظة المناسبة اضربي ضربتك.. ومش هوصيكي على اللبس والميك آب وكده..
هزت علياء رأسها پخوف
خاېفة يا نوني.. خاېفة..
أنت بس خاېفة عشان أنت لسه صغيرة.. أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة.. وأنا أكبر منك بتلات سنين.. يعني أعرف حاجات وحاجات.. خليكي بس معايا وأنت تكسبي..
أيوه يا نوني.. بس هو بيحب ريناد.. معقولة أني أقدر.. يعني أقدر أقرب منه وهو..
قاطعتها نيرة
أيوه تقدري.. أغلبيه بأنوثتك.. شوفتي إزاي أنا قدرت اخلي حسن يخطبني.. رغم إنه كان بيحب اللي اسمها منى دي.. المهم أنك تعرفي تلعبي بورقك صح..
يا رب يا نيرة.. يا رب يحبني ربع ما أنا بحبه.. أنا راضية..
أكملا سيرهما وثرثرتهما معا حتى سألت علياء
ما قولتيليش إيه أخبار حسن معاكي..
تغير وجه نيرة للحظات وهي تشرد في علاقتها بحسن أو بمعنى أصح انعدام علاقتها بحسن.. فهو يتجاهلها أو يتناساها منذ ليلة خطوبتهما والتي مر عليها أسبوع كامل لم تره فيه ولو مرة وتعذره دائما بكثرة العمل والمسئوليات.. حتى المكالمات الهاتفية.. تكاد تكون منعدمة.. ودائما ما تكون هي المتصلة ولا تتعدى مدة المكالمة دقيقتين في أحسن الأحوال.. ولكنها لن تخبر علياء بذلك بالطبع.. فهي بغنى عن أي شماتة.. ليس أن علياء تكرهها هي تحبها ومرتبطة بها بشدة.. تتبعها كالتابع المخلص.. إنها صديقتها الوحيدة.. رغم فارق السن بينهما لكنها الوحيدة التي تثق بها نيرة وتحكي لها أدق أسرارها لعل فارق السن ذاك هو ما جذب نيرة لإقامة صداقة مع علياء.. فعندما تعرفت عليها كانت علياء فتاة خجولة منطوية تخشى الاندماج مع الناس.. هذا بخلاف ملابسها التي تشبة خيام الشاطئ.. لا تدري نيرة كيف قررت أن تتبنى علياء اجتماعيا وتتولى نصحها وإرشادها لتندمج في المجتمع الجديد عليها تماما.. فهي كانت تقضي معظم وقتها في مزرعة الغمرواي.. ونادرا ما يسمح لها بالحضور إلي فيلا زوج والدتها بالقاهرة.. وذلك بالطبع بناء على رغبة سهام هانم الزوجة الأولى لعصام الغمرواي.. زوج والدة علياء.. والتي ټوفيت بعد زواجها من عصام بعام واحد.. تاركة ابنتها الوحيدة كأمانة في عنق عصام.. وذلك بناء على وصيتها التي أسرتها لعصام قبل ۏفاتها.. فأعمام علياء لا يبحثون سوى عن ميراثها من الأراضي الزراعية التي تركها لها والدها.. لذلك كانوا يتحينون الفرص ليضعوا أيديهم عليها حتى عن طريق تزويج الفتاة التي لم تكن بلغت حينها الرابعة عشر إلى أحد أولاد عمومتها.. وهو الأمر الذي عارضه عصام بشدة.. واضطر أن يترك ميراث الفتاة تحت أيدي أعمامها مقابل السماح له برعايتها وتركها لتكمل تعليمها.. لكن ذلك لم يلقى استحسان سهام الزوجة الأولى لعصام والتي قبلت على مضض زواجه المفاجئ من والدة علياء واعتبرته نزوة سرعان ما تزول.. وبالفعل زالت بعد ۏفاة نادية والدة علياء.. تاركة الفتاة الصغيرة التي قررت على الفور سهام نفيها إلى مزرعتهم لتعيش مع والد عصام.. لذا عندما تعرفت نيرة على علياء.. كانت الفتاة تستجدي الاهتمام والمواساة.. كما أن جمالها من النوع الحزين والهادئ والذي لن يؤثر على جمال نيرة الصارخ بل وجودهما معا يبرز ۏحشية جمال نيرة مقابل الجمال الحزين التي تمثله علياء.. وتحولت علياء إلى تابع مخلص أمين لنيرة تستمع لنصائحها وتنفذها بالحرف.. فغيرت من مظهرها وطريقة لبسها.. وعلمتها كيف تصبح سيدة مجتمع صغيرة.. كيف تلفت انتباه أي شاب ينال إعجابها بدون أن تمنحه أي وعد لكن الشيء الوحيد الذي لم تستطع نيرة تغييره هو شعر علياء فكان منطقة محظورة ممنوع اقتراب المقص منه نهائيا بناء لوعد منحته علياء لأمها.. وعوضت نيرة ذلك بأن رسمت لها الخطط حتى توقع بيزيد.. ابن زوج والدتها..
 

تم نسخ الرابط