متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه
المحتويات
إلى فراشها.. لم تشعر بمعنى اليتم كما شعرت تلك اللحظة.. وحيدة تماما رغم وجودها وسط أهلها.. غريبة وسط أقارب يهاجهمونها ويتهمونها بما لا تعلم.. يبادرون ليس لحمايتها ولكن لانتهاكها..
وهو.. معذبها الأول.. أول من انتهك.. وأول من ابتعد.. وأول من تركها وحيدة وسط قطيع من ذئاب ينهشها ولا تملك ما تدافع به عن نفسها.. سوى كلمتها والتي يرفض الجميع سماعها..
على الجانب الآخر كان يزيد يحاول يائسا ولثلاثة أيام كاملة الاتصال بعلياء بلا جدوى.. فهي لا ترد على هاتفها المحمول.. ولا هاتف المزرعة.. وحتى حاول الاتصال بها على هاتف شقتهما_والتي قررت ألا تنتقل اليها إلا وهو معها_ ولكنه أيضا فشل في الوصول إليها..
بابا.. علياء فين..
عليااا.. عليا موجودة.. هتروح فين
لهفة يزيد الشديدة لم تمكنه من التقاط التوتر في صوت والده.. فأردف بسرعة
أنا بيتهيألي أنها زعلانة أو ممكن محرجة وبتفكر يكون لها حفلة وفرح.. لو سمحت يا بابا بلغها أني موافق.. واللي هي تطلبه هنفذه.. بس خليها تفتح الموبايل.. عايز اطمن عليها..
بل تغيبت طوال الليل ولم تظهر أبدا..
عند عصر اليوم التالي.. لم يجد بدا من الذهاب إلى الشرطة.. وبعدما استمع له مأمور القسم.. لفت نظره بطريقة غير مباشرة.. بسؤال أعمامها.. أو التحري لديهم أولا.. ولكنه لم يحتج لذلك.. فقد وصله اتصال من عمها في اليوم التالي.. وكان فحوى الاتصال من أغرب ما يمكن.. وأكال له الرجل اټهامات ووصمه بما لم يخطر على باله.. وعندما أوضح له أن علياء أصبحت زوجة لابنه يزيد.. تعالت صيحات عمها بالټهديد له وليزيد بالاڼتقام وغسل العاړ.. أي عار يتحدث عنه هذا الرجل.. هل أخبرتهم علياء بفعلة يزيد نحوها قبل الزواج.. وهل تذكروا الآن فقط ابنتهم.. وفكروا في حمايتها والٹأر لشرفها!
خلاص يا بابا هتبلغها..
صمت عصام للحظات.. ثم حسم أمره.. واجاب بحزم
هو احنا مش اتفقنا أنك تبعد عنها لفترة.. اللي بتعمله ده اسمه إيه.. البنت محتاجة وقت تراجع فيه نفسها.. حضورها فرح نيرة أثر عليها جامد زي ما قولت.. سيبها تروق على مهلها.. وهي هتبقى تكلمك..
وأغلق الخط بسرعة.. يعلم بأن اخفائه الحقيقة عن يزيد قد يعرض علياء للخطړ ولكنه أب.. يخشى على ابنه من تهديدات أعمام الفتاة.. وعزائه أن عمها اتصل ثانية فاتحا مجال للتفاوض.. وموضحا أنهم يهتمون بالأراضي وميراث علياء من والدها.. وهو يحاول معهم جاهدا ليصل إلى حل ينقذ به الفتاة قبل فوات الأوان...
كانت تبدو كتلك الليلة التي اصطحبها فيها لتناول العشاء مع جدته.. لم يظن للحظة أن نيرة تقلق مما قد يظنه الناس بها إلا أنها بالفعل كانت قلقة من لقاء جدته وكأنها تراها للمرة الأولى.. وبالفعل خيم جو من التوتر الشديد على تصرفات نيرة وحتى جدته تتعامل معها بأسلوب متكلف لم يلحظه عليها من قبل رغم أنها لم تعلم ما فعلته نيرة في حفل الزفاف إلا أنها تعاملت برسمية مبالغ بها.. فكانت أمسية كارثية بجميع المقاييس خاصة وأن نفسيته لم تهدأ على الإطلاق بعد لقائه الحزين بشقيقه.. ورغم ذلك حاول احتواء التوتر المخيم على الأمسية حتى استهلك طاقته بالكامل في محاولة يائسة ليمر اللقاء بسلام.. واستغل أول فرصة سنحت له ليرحل مصطحبا زوجته معه..
وعند بوابة الفيلا الخارجية.. أنزل نيرة طالبا منها ألا تنتظر عودته باكرا_.. وانطلق نحو.. دنيا...
أعاده تململ نيرة وهي تعبث بهاتفها إلى وجوده بمنزله.. على مائدة طعامه تجاوره عروسه.. عروس تبدو مشغولة للغاية بهاتفها..
فألقى بمعلقته فجأة هاتفا
يعني مش قادرة تبعدي عن تليفونك ربع ساعة نتغدى فيهم..
رفعت نظراتها إليه لتسأله بلهفة
هو يزيد رجع مصر..
قطب حاجبيه بتساؤل
بتسألي ليه..
بحاول أوصل لعليا بقى لي يومين.. ومش عارفة.. تليفونها مقفول على طول.. فقلت أكيد هو وصل ومشغولة معاه..
ردد مازن بتأكيد وهو يتذكر محادثته ليزيد في ليلة زفافه الكارثية.. ومحادثة أخرى بعد عودته من زيارة حسن
لا.. يزيد قدامه أربع أيام على ما يرجع..
تمتمت نيرة بعجب
غريبة!..
رمقها لوهلة وقبل أن يستفسر منها ارتفع رنين هاتفها لترفعه بلهفة ولكنها ما إن رأت اسم المتصل على الشاشة حتى أعادت الهاتف إلى المائدة وعلامات الامتعاض تعلو وجهها.. مما دفع مازن لسؤالها
ليه ما بترديش..
هزت كتفيها باستهانة
دي مش عليا.. دي صبا..
صبا أختك..
مرت في عينيها نظرة ڼارية.. وأومأت برأسها موافقة.. بدون أن ترد على هاتفها.. حتى اختفى الرنين الذي ما لبث أن ارتفع مرة أخرى.. فقال مازن بلهجة آمرة
ردي على أختك يا نيرة..
أمسكت هاتفها بامتعاض.. تتمنى لو تخالف أمره ولكنها حريصة على أن تحتوي غضبه منها.. وتحتفظ بالأوقات التي يتواجد بها معها هادئة قدر الإمكان.. علها تفهم ما الذي يريده منها بالتحديد... فتحت الخط وهي تقول بملل
خير يا صبا في حاجة..
جاءها صوت صبا مترددا وهي تسألها بدورها عن علياء المختفية منذ ليلة زفاف نيرة... مما جعل نيرة تتساءل بصوت نضحت منه الغيرة
وأنت بتسألي على عليا ليه..
فريدة عايزاها.. موضوع بخصوص لوحات ورسم..
تشبعت أعماق نيرة بغيرة غاضبة.. وهي تستمع لكلمات صبا.. فهي لا يخفى عليها تعلق علياء بالرسم.. فهل ستسرقها فريدة منها كما سړقت والدها من قبل.. إلا أن أفكارها توقفت فجأة وكلمات صبا تتوالى
عليا مختفية يا نيرة.. مش موجودة في المزرعة ولا في أي حتة.. وبعد محاولات مع غفير المزرعة فريدة عرفت منه أن عليا ما رجعتش المزرعة من ليلة فرحك.. أنت تعرفي حاجة عنها...
ابتلعت نيرة ريقها بتوتر
استني.. ثواني كده فهميني..
كررت صبا نفس الكلمات على نيرة ببطء وتفسير أكبر وهي تحكي لها محاولة فريدة للوصول إلى علياء بكل الطرق.. حتى تيقنت أخيرا من اختفاء علياء..
أغلقت نيرة الهاتف مع صبا.. بعد أن وعدتها بإبلاغها بأي معلومة تصل إليها وتخص علياء..
سألها مازن على الفور
حصل إيه.. عليا فيها حاجة..
لم تجبه وأخذت تعبث بهاتفها.. فسحبه منها وهو يعيد سؤاله
في إيه.. إيه مشكلة عليا..
قصت عليه ما أخبرتها به صبا ومدت يدها تطلب هاتفها وهي تقول بتوتر
هات التليفون يا مازن لازم أكلم أونكل عصام.. أكيد عنده أخبار..
رمقها بنظرة غامضة قبل أن يقول
أنا اللي هكلمه..
مكالمة سريعة مع عصام.. بعدها ارتسمت معالم القلق على وجه مازن.. والټفت إلى نيرة التي كانت تسأله بلهفة
خير.. قال لك إيه..
رفع نظره إليها وظهرت عليه معالم التفكير العميق قبل أن يحسم أمره.. ويتصل بيزيد قاصا عليه كل ما يعرفه وختم كلماته
أنا لسه قافل الخط مع والدك.. وبيتهيألي هو عارف حاجة.. بس مش عايز يقول..
أغلق الخط لينظر إلى نيرة التي كانت في شدة لهفتها.. وأخبرها بهدوء
يزيد هينزل على أول طيارة..
سألته بقلق
هو الموضوع خطېر قوي كده..
أجاب بغموض
ربنا يستر.. أنا هروح لعمي عصام الشركة جايز أقدر أجيب أي معلومة منه..
خرج مازن متوجها إلى مجموعة الغمراوي في نفس اللحظة التي كان يهتف بها يزيد بأبيه على الهاتف
علياء فين يا بابا..
تلعثم عصام كان شديد الوضوح تلك المرة لأذني يزيد وهو يقول
عليا.. إحنا هنرجع تاني للموضوع..
قاطعه يزيد بقوة
أنا عرفت كل حاجة..
هتف عصام بقلق
مين قالك.. هو عمها صالح كلمك..
أغمض يزيد عينيه پألم وهو يردد
أعمامها..
وقبل أن يرد عصام بأي كلمة كان يزيد قد أغلق الخط...
كان حسن منهمكا في إنهاء آخر بقعة من الجدار المواجه له.. بينما قرر باقي زملائه التجمع من أجل الراحة مع كوب من الشاي الأسود حتى يستطيعوا إنهاء العمل في موعده.. أخذ حسن يستمع إلى أحاديثهم الودية وبسمة هادئة ترتسم
بنمسي يا بشمهندس..
الټفت حسن إليه
متشكر يا أسطى سمعة.. أنت عارف ما بدخنش..
وكزه سمعة بمرفقه وهو يقول
وده دخان برضوه.. دي حاجة هتريحك وتروق مزاجك..
ابتسم حسن معتذرا مرة ثانية.. بينما ظل سمعة على إلحاحه محاولا اقناع حسن
صدقني يا هندسة.. دي اللي هتخليك تتحمل الوقفة على كعوبك طول النهار.. وهتنسيك ريحة التنر والزيت.. هتروقك وتعلي مزاجك..
وقبل أن يجبه حسن سمعا الاثنان صوت المعلم محمود.. المقاول المسئول عن تشطيب البرج السكني الذي يعملان به وهو يرحب بشخص ما بصوت خاضع
يا ألف مليون أهلا وسهلا.. نورت الدنيا كلها يا ابتسام هانم..
والټفت إلى أحد العمال
كرسي بسرعة للهانم...
جاء صوت الهانم مشمئزا وهي تقول
ما فيش داعي يا معلم محمود.. أنا جاية أشوف إيه آخر أخبار الشقة..
ودارت بعينيها في أنحاء الشقة حتى توقفت نظراتها على حسن.. الذي توقف عن عمله وكتف ذراعيه ليتأمل المتطفلة المدللة بشعرها الأشقر المصبوغ وزرقة عيونها المزيفة.. لم تكن تضع الكثير من الزينة إلا أن طريقتها وملابسها
كانت نظراتها تنطق بأفكارها القڈرة ..
.. قد يكون عامل نقاشة ولكنه وسيم ومثير حقا وهي تريده.. وطالما تعودت على نيل ما تبغى..
توجهت نحوه وعيناها تنهل من وسامته البارزة وسط عمال النقاشة وزاد في بروزها التيشيرت الأسود الذي كان يرتديه.. وقفت أمامه مباشرة لتسأله
أول مرة أشوفك هنا.. يا...
أكمل لها المعلم محمود بسرعة
ده البشمهندس حسن.. بيشتغل معانا جديد.. هو مهندس صحيح.. بس نقاش ممتاز.. أحسن واحد عندي.. بس ده تربية عز وحياتك يا هانم..
ابتسمت وهي تقترب أكثر وتمد يدها لتمسك كتف حسن وتتحسسه بوقاحة
عندك حق يا معلم محمود.. شكله ابن عز فعلا..
ثم التفتت لحسن
أنت اللي هتبقى مسئول قدامي عن تشطيب الشقة دي بالذات.. صحيح البرج كله بتاع دادي.. لكن الشقة دي هتكون بتاعتي.. وعايزاك تشطبها على ذوقك..
تراجع حسن خطوتين حتى يبتعد عن مرمى يدها وهو يخبرها بهدوء
الأفضل يا فندم أنك تحددي طلباتك بالظبط.. والمعلم محمود هو ريسنا كلنا.. وهنفذ طلباتك بالحرف..
أطلقت ضحكة عالية وهي تكرر كلمته
طلباتي!!..
ثم غمزت بعينها وهي تهمس له بدون خجل
لون عيونك!..
تعالت ضحكات العمال.. بينما اتسعت ابتسامتها
عايزة ألوان الديكورات تكون لون عيونك..
. وتحركت لتخرج من الشقة وهي تلوح له بأصابع ذات أظافر مطلية بعناية
تشاو..
متابعة القراءة