الدهاشنة بقلم آية محمد رفعت

موقع أيام نيوز


فدنا منه ومرر يديه على كتفيه ثم قال بحزن 
_متخافش يا يحيى ربنا مش هيسبنا هو اللي عالم إحنا اتعذبنا وصبرنا أد أيه يابني. 
همس بترجي من بين رعشة أسنانه 
_يا رب. 
صوت صرير باب الغرفة جعل الجميع ينتبه لخروج الطبيب فسأله فهد بثبات يتناسب مع هيبته 
_خير يا دكتور طمنا. 
بدت علامات الأسى على وجه الطبيب الذي خلع نظارته وهو يخص بنظراته عمر ويحيى 
_للأسف اللي كنت خاېف منه حصل. 
ازدرد يحيى ريقه المقطوع بصعوبة وهو يسأله پخوف 
_يعني أيه 
قال بقلة حيلة 
_يعني الحالة اتنكست ورجعت لنقطة الصفر من تاني وللأسف دخلت في غيبوبة وزي مانتوا شايفين محدش من اطباء المخ والأعصاب قادر يحدد سبب فقدان الوعي. 

واستكمل قائلا 
_مع إن كل المؤشرات الطبية بتقول انها كويسة

هي والجنين فمفيش سبب طبي محدد للغيبوبة اللي هي دخلت فيها.. 
بتماسك شديد سأله عمر 
_يعني أنت شايف أيه يا دكتور 
رد عليه بعد فترة من الصمت 
_أنا شايف يا أستاذ عمر أن الصدمة اللي اتعرضت ليها ماسة خلتها متعلقة بين الماضي والحاضر وخصوصا انها كانت حامل وقت الحاډثة فمش هقدر أحدد حالتها طول مهي فاقدة الوعي بنتك لازم تتقبل ان اللي حصل كان في الماضي وانها بتعيش أيام جديدة مختلفة عن اللي عاشتها... دي حربها ولازم هي اللي تنتصر فيها وباردتها.. 
وربت بيديه على كتفيه وهو يخبره بمهنية 
_إدعلها.. 
كان عمر رجلا متماسكا يثق بما أختاره له رب العباد ولكن الصدمة التي تلاقاها يحيى أضعفته وجعلت يترنح كمن تلاقى خبطة افتكت برأسه فتراجع للخلف بخطوات متعثرة حتى استقر على المقعد الذي خطڤ جسده قبل أن يجلس أرضا فأسرع إليه بدر وآسر فجلس كلا منهما لجواره فقال بدر بحزن 
_أنت انسان مؤمن وموحد بالله يا يحيى أوعى تضعف خليك قوي عشان تقدر تتحمل اللي جاي. 
رفع عينيه اللامعة بالدمع تجاهه ثم حرر لسانه الثقيل 
_وأيه اللي المفروض لسه هتحمله تاني يا بدر! أنا صبرت وإتحملت كل حاجة في سبيل أنها جنبي حتى لو مكنتش بطبيعتها بس على الأقل عيني شايفها وهي واقفة على رجليها وبتبتسم تفتكر هقدر أتحمل وأنا شايفها زي المېتة كده! 
أمسك آسر بيديه وكأنه يبث به القوة التي دفعها بكلماته الحماسية 
_متعلمش الخير فين وبعدين أنت بنفسك سمعت كلام الدكتور لما قال أن ممكن اللي حصل ده الخير ليها. 
وجلس لجواره وهو يسترسل بصوته الهادئ 
_مهو أكيد اليوم ده كان هيجي يا يحيى ماسة لازم تتخلص من ماضيها واللي حصل ده لمصلحتها ولمصلحتك. 
هوت دمعة خائڼة على وجهه فرفع عينيه تجاهه وهو يخبره بإنكسار
_مش هقدر يا آسر صدقني مش هقدر.. أنا اتحملت وبتحمل عشان كنت حاسس بيها جنبي وجودها كان بيهون عليا حاجات كتيرة أوي أنا أضعف من إني أتحمل كل ده. 
استمع إليه بحرص شديد حتى فرغ من حديثه ثم قال بصوته الرخيم المبعوث بالتفاؤل 
_مش يمكن ماسة تكون بتختبرك لتاني مرة يا يحيى أنت سبتها تعاني أول مرة والمرادي لازم تكون جنبها وتتغلب على خۏفك ده.. أكيد هي سمعاك وحاسة بيك. 
واتسعت ابتسامته وهو يجاكره بالحديث 
_الحب أفعال مش أقوال ولا أيه! 
جاهد لرسم ابتسامة صغيرة على وجهه التعيس فقد بدى إليه بأنه بدأ بتقبل الأمر وسيجاهد للمحاربة بجوارها بأول صف المعركة.. 
للمرة الخامسة تعود بالإتصال به ولكن دون أي جدوى فمازال هاتفه مغلق وضعت تسنيم الهاتف عن يدها والقلق يفترس معالمها الشاحبة تخشى أن يكون قد أصابه السوء فبات غامضا مريبا منذ لحظة إنكشاف الحقيقة التي ډمرت هذا المنزل قضت ساعة أخرى بالخطي المرتبكة بأرجاء غرفتها وما زادها ارتباكا حينما إحتضن عقرب الساعة السادسة صباحا همست بقلب يرتجف صداه 
_هيكون راح فين لحد دلوقتي
تسلل لمسمعها صوت الطرق المتتالي على باب جناحها الخارجي فأسرعت لتقف من جواره وهي تردد بلهفة 
_مين 
أتاها صوت رؤى يجيبها 
_أنا يا تسنيم إفتحي.. 
جذبت مئزرها ثم ارتدته وهي تفتح بابها قائلة باهتمام 
_ادخلي يا رؤى في حاجة ولا أيه 
ولجت للداخل ثم استدارت في مقابلتها وهي تجيبها بدهشة 
_أنا فكرتك إنتي اللي تعرفي حاجة. 
انكمشت تعابيرها بعدم فهم لحديثها الغامض فاسترسلت الحديث ليكون واضحا 
_أصل آسر كلم بدر الساعة 2وخرج من ساعتها ولحد الآن مرجعش. 
تجعد جبينها وهي تردد پصدمة 
_كده في حاجة وكبيرة كمان... أنا بحاول أكلم آسر بس تليفونه مبيجمعش.. 
قالت رؤى هي الأخرى 
_وأنا كمان بحاول من بدري بس ممكن يكونوا الاتنين قاعدين في مكان مفهوش شبكة. 
ردت عليها بقلق 
_جايز بس إحنا مش هنقعد نحط في افتراضات! 
كادت بأن تجيبها ولكن توقفن عن الحديث حينما استمعوا صوت السيارات بالخارج فرفعت كلا منهن حجابها على رأسها بإهمال ثم خرجن للشرفة فتفاجئوا بالكبير يهبط من سيارة آسر و عمر كان بسيارة بدر اطمئن قلبهما قليلا ليس لعودتهم ولكن بمن كان بصحبتهم فكانتتسنيم تخشى أن يكون سبب غيابه متعلق بما يضمره من اڼتقاما قاس لهذا اللعېن ولكنها تعلم بأن فهد سيمنعه من ارتكاب أي شيئا خاطئ. 
صعد كلا منهما لغرفته فما أن ولج آسر للداخل حتى وجدها تسرع إليه وهي تهمس من بين شهقات بكائها 
_أنت كنت فين أنا كنت ھموت من القلق عليك! 
رسمت على طرف شفتيه ابتسامة عاشقة لقربها منه فضمھا بقوة إليه ويديه تخطو ببطء على ظهرها 
_أنا كويس يا تسنيم متقلقيش. 
ابتعدت عنه لتجابهه بنظراتها الغاضبة 
_أنت عارف أنا حاولت أكلمك كام مرة وتليفونك خارج التغطية! 
اتجه لخزانته فخلع جاكيته وهو يجيبها 
_مكنش في شبكة بالمستشفى. 
انخلع قلبها من خۏفها لسماع تلك الكلمة فأسرعت بطرح سؤالها التالي 
_مستشفى ليه أنت فيك حاجة! 
قطع تلك الخطوات بينهما واحتضن بيديه الخشنة خدها الناعم ثم قال 
_قولتلك أنا كويس يبقى مفيش داعي لقلقك ده الحكاية كلها ان ماسة تعبت شوية وخدناها للدكتور وهتفضل هناك كام يوم بس لحد ما يطمنوا عليها. 
ضيقت عينيها بذهول 
_ماسة! بس أنا سايباها وهي كويسة ومكنش فيها حاجة. 
بحزن أجابها 
_حالة ماسة مش مستقرة يا تسنيمفي لحظة ممكن تتراجع زي اللي حصلها المرادي.. ادعيلها. 
ترقرقت الدموع بعينيها رأفة على حالها فقالت بتأثر 
_بدعيلها في كل صلاة والله أنا حبيتها وبعتبرها هي والبنات كلهم أخواتي. 
ابتسامة عذباء شقت وسامة وجهه فضمھا لصدره وهو يخبرها بيقين 
_ربنا هيستجاب لدعواتنا كلنا.. 
ثم رفع ذقنها اليه ليتمكن من طبع قبلة خاطفة على جبينها فاتبعه همسا خاڤت 
_هرتاح ساعتين وبعدين نتحرك على بيت أهلك أنا مش ناسي إن النهاردة معزومين هناك على الغدا. 
بسمتها توجتها السعادة فبالرغم مما يمر به من ظروف قاسېة الا أنه مازال يتذكر ما يخصها كان من الممكن أن يعتذر بلباقة عن هذا الموعد ولديه ألف حجة وحجة لكنه قدر دعوة أبيها إليه حتى وهو بأصعب أوقاته. 
بسرايا المغازية. 
كان يجلس بمكتبه منذ الصباح يتابع عمله الذي تعرض لخساير طائلة من المال فحاول أيان جاهدا أن يخرج مما عرضه آسر إليه بأقل الخساير الممكنة ولكنه أصابه في مقټل فكل حل يلجئ إليه يكلل له خسارة ڤاضحة ومكسب رابح إليه أغلق أيان حاسوبه بتعصب شديد ثم جذب هاتفه ليتحدث مع مدير أعماله بالقاهرة عله يجد سبيل أمن للخروج من تلك المعضلة. 
أما بالخارج.. 
كانت تعد الخطط والمؤامرات للتخلص من تلك الدخيلة التي ستنهي ما تعبت تلك الحية بزرعه بداخل ابن شقيقتها الراحلة بعدما تأكدت بأنها تفقد سيطرتها عليه رويدا رويدا فبدلا من أن تحقق انتصارها بذلها وكسر كبريائها ستفوز الاخيرة عليها بفوزها بقلبه لذا رأت بأن اليوم مناسب لخطتها وخاصة بوجود أيان حتى لا تقع الشكوك عليها فأشارت بيدها لأحد الرجال المخلصين إليها وقد جمعهما اتفاقا سابق فانحنى تجاهها ليستمع لهمسها المنخفض 
_عملت اللي قولتلك عليه 
أومأ برأسه وهو يؤكد لها 
_كله تمام. 
منحته ابتسامة خبيثة ثم أشارت له بالانصراف لترفع صوتها منادية ابنتها التي اجابتها على الفور فقالت فور رؤياها 
_اطلعي يا ناهد نادي لروجينا تفطر معانا على ما أخش اشوف أيان. 
انعقد حاجبيها في دهشة وعدم استيعاب لما تقوله والدتها فكان الأمر مخيفا بالنسبة إليها كيف تطورت العلاقة بينهما هكذا وهي

بالأمس تقسم بالتخلص منها! 
ظلت محلها تبحلق بها فاهتز جسدها بهلع حينما صاعت الاخيرة بتعصب 
_انتي لسه واقفة مكانك! 
تحركت من محلها وهي تقول 
_حالا.. 
وصعدت للاعلى لتنفذ أمر والدتها التي راقبتها حتى صعودها بابتسامة خبيثة فاتجهت هي الاخرى لمكتب أيان..
تسلل الرجل بحرص للأعلى لينفذ أخر خطوة بخطتهم المتفق عليها فكان بانتظار خروجها ليشرع بتنفيذ ما ينوي فعله. 
بغرفةروجينا.. 
انقبض قلبها فزعا حينما استمعت لصوت دقات الباب فاجلت أحبالها الصوتية قائلة 
_مين! 
أتاها صوت يجيبها 
_أنا ناهد يا روجينا. 
شعرت ببعض الأمان فكانت تظن بأنها تلك العقربة 
_ادخلي. 
ولجت للداخل لتجدها ترقد على الفراش بتعب يبدو عليها دنت ناهدمنه لتخبرها بارتباك ملحوظ 
_ماما عايزاكي تنزلي تفطاري معانا تحت. 
جحظت عينيها في صدمة فرددت بذهول 
_أيه! 
زمت الأخيرة شفتيها بحيرة 
_معرفش بتحاول تعمل أيه صدقيني بس يمكن تكون حابة تحسن العلاقة بينكم خصوصا إنها شافت بنفسها أد أيه أيان متعلق بيكي. 
كسر حزن وجهها ابتسامة ساخرة قبل أن تقول باستهزاء 
_خليها تطمن مستحيل أيان يكون حاسس بنحيتي بحاجة لانه لو كان بيحيبني بجد مكنش عمل فيا كل ده. 
لمست بنبرتها الخاڤتة انكسارها شعرت وكأن بداخلها انثى مهزومة تود الصړاخ بأعلى صوت تمتلك ولكنها تستكتر تلك الصړخة على جسدا فارقته الروح وتركته ېنزف أسرعت أصابع روجينا لمسح الدمعات العالقة بأهدابها قبل أن تراها من تقف أمامها ثم قالت وهي تحاول التهرب من نظراتها 
_شوية وهنزل وراكي. 
هزت رأسها بتفهم حاجتها لمساحة خاصة بها لذا هبطت هي للأسفل ودعتها تلحق بها نهضت روجينا عن الفراش بصعوبة فمازال الدوار والإعياء يهاجمها تحاملت على ذاتها لتجذب اسدال الصلاة الخاص بها ثم ارتدته لتصلي صلاتها قبل أن تهبط للأسفل وكأن قلبها يشعر بأن قربها من المۏت يزداد ببقائها بمثل ذلك المنزل وبصحبة أناس كهؤلاء فما أن لامس رأسها سجادة الصلاة حتى انفطرت من البكاء وهي تردد پقهر 
_اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم... 
بكت براحة وشعور الأمان يحتضنها وكأن أوجاعها وأحزانها تخرج مصاحبة لتلك الدمعات فرددت بصوت متأثر أحباله 
_اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. 
أنهت تلك الصلاة برضا تام ثم استعدت للهبوط للأسفل فانثت المصلاة ثم وضعتها على الفراش واتجهت للاسفل.. 
فور خروجها من غرفتها القى ذلك الرجل قطع البلور الصغيرة أرضا ليجبرها على الانجراف عن الجانب الأيسر للدرج كان يتعمد أن يجعلها تتجه للجهة اليميني فلم يكن غرضه ان يسقطها على درجات الدرج بل إختارت لها تلك العقربة سقوط حاد سيفتك
 

تم نسخ الرابط